ارشيف سما بلوجر





محمد عز
 (يا بلدنا لا تنامي . جالك رجال من وسط الجبل .هدوا الجبل علي الطغيان . وصار ليلهم نهار ).

 . جاءت مصر كلها، بفقرائها، بمتوسطي الحال والأغنياء بجهدهم وعرق الجباه والكفاءة. وتابعتهم الأمة وقلوب أبنائهم في عيونهم، يتأملون فيهم صورة مستقبلهم. صار الوطن للجميع، اقباطاً ومسلمين، والدين لله. لم يحملوا من السلاح إلا إرادتهم وعلومهم وفقرهم ومعاناتهم من أجل الخبز مع الكــرامة. لم ينشــئوا ميليشيا، وهم أبناء الدولة التــي بدأ بها ومعها عصر الدول، لم يخرّبوا المؤسسات العامة التي كان الطغيان قد أفرغـــها من دورها في خدمة أصحابها الشرعيين. لم يدمّروا المنشآت الخاصة وهــم يعــرفون أنها حصيلة نهب عــرق جباههم. لم يتــشدقوا بشعارات طنانة وفخمة الإيقاع. لم يزعموا أنهم سيغيّرون الكون. قـــالوا فقط: نحــن هنا، نريــد استــعادة وطننا ودولته. تنادوا فتلاقــوا فأكدوا حضورهم فإذا حكــم الطغيان يتهــاوى بعدما عصى جيش الشعب رغبته في الانتقام والتدمير... وإذا جبروت الطاغية يتهاوى كبيت من قش أمــام صمودهم العظــيم صفاً واحــداً. لــم يوحّدهم حـــزب ولا جماعة ولا جبهة مدوية الشعارات في فراغ القــدرة. نادوا بعضهم بعـضاً فـإذا هـم الشـعب كله.

مشوا إلى ميدان التحرير فنصبوا إرادتهم راية، فإذا الناس ـ أهلهم ـ يأتون إليهم من كل حدب وصوب وقد سلّموا بأهليتهم للقيادة. لم ترهبهم آلة القمع التي أعدها النظام البارك عليهم منذ ثلاثين عاماً أو يزيد. رقصوا، غنوا، أنشدوا، كتبوا. أكد كل كفاءته: أفواج للحراسة والتنظيم، الأطباء لمعالجة الجرحى ومن تأخذهم النشوة إلى الإغماء، الصيادلة لتأمين الدواء، وأفواج لاستلام تبرعات أهلهم بالخبز والمأكولات السريعة. والجميع لمواجهة طوابير الأمن المركزي ورجالات الشرطة الذين خصص قائدهم وزير الداخلية المكافآت لمن يبدع في إهانة شقيقاته ورفاقه وأهله، فإذا احتاجت قوات القمع مدداً جيء بأصحاب السوابق والبلطجية والحرامية من أبناء الليل لكي يفرّقوا شملهم فما تفرّق. وحــين نزل إليهــم الجيش اطــمأنوا فارتدوا على مهاجمــيهم من راكــبي الجمال والبــغال والحمــير حتى هزموهم.

جاءوا عشرات إثر عشرات، مئات إثر مئات، ألوفاً، عشرات الألوف، مئات الألوف، مليوناً إثر مليون... امتلأ بهم الميدان، امتدوا إلى الإسكندرية والمنصورة، إلى طنطا وبني سويف، إلى الفيــوم وأسيوط والمنيا إلى الأقصر وأسوان والخارجة. صاروا كموج البحر الذي بلا ضفاف. صــاروا الأمة. قالوا: نحن هنا! نحن الوطن! نحن السيادة، نحن الحرية، نحن التقدم... وإلى جهنم الطاغية ونظامه البوليسي المتخلّف، المستقوي عليهم وهو المرتهن ـ بإرادته ـ لدى العدو الإسرائيلي والمهيمن الأجنبي.

لم يكن حلماً، بل كان أبهى كالحقيقة. كــانت الإرادة تدوي وهــي تصنع التاريخ فتبدّل المصائر لتصنع النصر الذي كان يتبدى مستحــيلاً.

ومع سقوطه الفعلي تبارت العواصم بقيادة واشنطن ورئيسها الأسمر ذي الجذور الإسلامية، باراك أوباما، تحاول ادعاء «أبوة» الانتصار الذي حققه فتية مصر، وتحاول استمالتهم بوصفها الوكيل الوحيد للديموقراطية، إنتاجاً وتوزيعاً، في العالم كله، وبادعائها أنها المرجع الفرد للحرية وصناعة التاريخ... اما نادي الملوك والامراء والسلاطين والرؤساء المزمنين، فانهم ارتعدوا من هذا التغيير الآتي اليهم.

اليوم عادت مصر إلى مصر. عادت مصر إلى هويتها الأصلية. وستعود غداً إلى دورها المفتقد، والذي لا يعوّضه غيرها


اذا اعجبتك هذه التدوينة فلا تنسى ان تشاركها وتساعدنا على نشر المدونة ، كما يسعدنا ان تنضم الى قائمة المشاركين في سما بلوجر من خلال (نشرات rss)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Search